عن زيد - يعني ابن وهب، قال: أتي ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فقال عبد الله: إنما قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء، نأخذ به.
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى: «ولا تجسسوا»، قال: خذوا ما ظهر، ودعوا ما ستر الله.
وأما قوله: {ولا تنافسوا} فالمراد به: التنافس في الدنيا. ومعناه: طلب الظهور فيها على أصحابها. والتكبر عليهم، ومنافستهم في رياستهم، والبغي عليهم، وحسدهم على ما آتاهم الله منها. وأما التنافس والحسد على الخير وطرق البر، فليس من هذا في شيء وكذلك من سأل عما غاب عنه من علم وخير، فليس بمتجسس فقف على ما فسرت لك، وقد مضى في باب ابن شهاب عن أنس من هذا الكتاب في معنى التحاسد والتدابر والتباغض - ما فيه كفاية، فلا معنى لاعادة ذلك ههنا. ومعنى قوله: «لا تدابروا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا»، معنى متداخل كله متقارب، والقصد فيه إلى الندب علىالتحاب، ودفع ما نفى ذلك لأنك إذا أحببت أحدًا وأصفيته الود، لم تعرض عنه بوجهك، ولم توله دبرك بل تقبل عليه وتواجهه، وتلقاه بالبشر ومن أبغضته، وليته دبرك، وأعرضت عنه وقد فسرنا هذه المعاني في مواضع سلفت من كتابنا هذا - والحمد لله.
أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا أبو داود، حدثنا عيسى ابن محمد، وابن عوف - وهذا لفظه قالا: حدثنا الفريابي. عن سفيان، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس، أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم.
قال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نفعه الله بها.
قال أبو عمر: وروى هذا الحديث عبد الرحمن بن جبير ابن نفير، عن أبيه، عن معاوية، عن النبي عليه السلام مثله بمعناه.
حدّثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، حدثنا عمرو بن الحارث، حدثني عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، قال: حدثني يحيى بن جابر، أن عبد الرحمن بن جبير حدثه أن أباه حدثه أنه سمع معاوية بن أبي سفيان قال: إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلاما نفعني الله به، سمعته يقول: أعرضوا عن الناس، ألم تر إنك إذا اتبعت الريبة في الناس، أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم.
حدّثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا أبو داود، حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن جبير ابن نفير، وكثير بن مرة، وعمرو بن الأسود، عن المقدام ابن معدي كرب، وأبي إمامة، عن النبي عليه السلام قال: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم.
Al-Tamheed, ibn 'abd al-barr al-maliki